حين عرفت بمرض ماهر اليماني.. رفيق التجربة والعائلة والعمر والحياة ... رحت أراوغ الوقت كي أتجاوز فكرة الفقد.. حاولت من قلبي.. ولكن...هو وجع القلب الشاسع!
ماهر اليماني هو الجميل جدا... الرقيق جدا.. القريب جدا.. الصادق جدا... الجيش في رجل واحد... الذي لا يراوغ ولا ينظر إلا في العينين مباشرة...
لم أجرؤ على الاتصال به حين أخبروني بمرضه.. فرحت أسأل عنه من بعيد دون أن أقترب.. فأنا لا أستطيع احتمال الدموع مع ماهر... لا اتخيل أن أقف لحظة لأشد من عزم ماهر.. وهو الذي عودنا أنه الشجرة الباسلة التي يأتيها الجميع حين تضيق بهم الحياة.
لقدغصت روحي بهذا الرحيل العنيف يا ماهر.. لقد ضاق قلبي كثيرا.. فبكيت... لهذا أعتذر منك ومن الحزن.. ولكن ماذا أقول لك...!!! فمن حقي أن أبكيك... من حقي أن ابكي الفدائي الذي شغل الدنيا بجرأته... الصديق القريب الذي ملأ أسرتنا مشاغبة وجدلا وفرحا وحضورا... الإنسان الذي تقاسمنا معه الفرحة والفكرة والموقف...
ماهر اليماني الذي يحضر خفيفا لطيفا كما الياسمين الشجاع .. يدخل البيت بلا استذان،فيشعل في قلوب روجان وكاميليا فيضا من فرح وأمل وحب وأمان... حينها كان البيت والقلوب تشتعل بالضحك والصخب فيصعد هتاف الفرح: إجا خالو ماهر...!
هو الرفيق الذي يدخل البيت كصاحبه... فينام بيننا ونساهر الفكرة والوعد حتى مطلع الفجر...
ماهر اليماني هو الفدائي الذي تعادل روحه البندقية الشريفة.. الشجاع حد المطلق .. الجرئ كما الوطن.. الصريح كما الفكرة، هو ابن حركة القوميين العرب وعضو اللجنة المركزية العامة في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين... ابن سحماتا وشقيق القادة أبو ماهر اليماني ومحمد اليماني ... هو رفيق الرجال الكبار: جورج حبش، وديع حداد، أبو علي مصطفى، غسان كنفاني .. إنه ابن فلسطين في ذروة تجليها.
كنت أقول مازحا في محاولة لعقلنة الجرأة المطلقة: تمهل يا ماهر... كأني بك تقيم بين رصاصتين... فيضحك ويواصل الحياة والمقاومة بلا مساومة.
هنا لا أجد أكثر عفوية وصدقا للتعبير عن اللحظة مما فاض به قلب صديقة قلبك روجان ابنتي... فهنا سر الفكرة حين كتبت:
" خيالك محفور في ذاكرتي، ماهو اللي زيك ما بمر مرور الكرام، مناضل من العيار الثقيل ومش غريب على اللي اخوه ابو ماهر اليماني.
كنت خالا وسندا وعزوة بدون صلة دم، لانو القرابة بالاصل والمشاعر قبل اي شي تاني، ابكيك يا خالي وابكي كل لحظة معك، كل لحظة.
انا ما عمري شفت شخص عزيز نفس وكبرياؤه عالي قدك، حتى في اضعف المواقف كنت شامخا، وصعب كسرك، ورفاقك بيشهدولك، وفي رحيلك ترجلت عن فرسك قبل ما يكسرك المرض بكل شموخ.
الف رحمه ونور ع روحك يا حبيبي...والبقية بحياة الوطن"
بعد كل هذا... اسمح لي الآن أن أودعك بدمعتين ووعد.... فذلك أقل ما يمكن.