كارثة بكل معنى الكلمة تحل على فلسطين، وهي تستقبل غرق العشرات من أبنائها في عرض البحر. هي الكارثة بعينها، بل مجزرة، أعدت بليل ونهار امام أعيننا من دون أن نحرك ساكنا، وقد تتكرر، فالمهرب وأدواته ماتزال فاعلة داخل المخيمات تبيع الوهم والخداع للأهالي والشباب، لينتهي الأمر بالمجزرة التي حدثت مساء أمس، بالقرب من جزيرة أرواد السورية.
اليوم تجمهر العشرات من أهالي المفقودين والضحايا، على متن زورق الموت الذي غرق قرب جزيرة أرواد السورية أمام بوابة الأمن العام في العريضة، وغالبيتهم من اللاجئين الفلسطينيين، وذلك من أجل الدخول إلى طرطوس للتعرّف على جثامين تم العثورعليها.
وكان مصدر في الحراك الفلسطيني في مخيم نهر البارد أكّد في تصريحات إعلامية اليوم عن وجود نحو 25 شخصًا من المخيم على متن زورق الموت.
ويقدّر بعض الأهالي في مخيم نهر البارد أن عدد الركاب يفوق 150 شخصًا على متن قارب طوله 12 مترًا، فيما يؤكّد مصدر إغاثي أنّ العدد هو حوالي 170 راكبًا.
ويقول أحد أهالي ضحايا المركب بأن المهربين" وعدونا بأن يكون على متن القارب 70 شخصًا ففوجئ الركاب بأنّ العدد 3 أضعاف"، وأنّ "ركاب المركب المنكوب في عرض البحر كانوا يطالبون بالعودة إلّا أنّ منظّم الرحلة أصر على إكمال الطريق".
على الرغم من كل المخاطر التي تجلت بالعدد الزائد، إضافة إلى الظروف المناخية التي أدت إلى زيادة الصعوبات، حيث بلغ ارتفاع الموج 5 أمتار.
غير أن القائمين على الرحلة وهم المهربين في هذا الحال، أصروا على استكمال الرحلة، غير آبهين بكل تلك المخاطر.
وأفادت آخر المعلومات الواردة من طرطوس، مساء اليوم، عن ارتفاع عدد الضحايا إلى 81 ضحية فيما الناجون 22 فيما العشرات لا يزالون في عداد المفقودين.
وأمام هول الفاجعة التي ألمت بأهالي الضحايا، والمخيم المنكوب، وكل مخيمات الشتات وعموم الشعب الفلسطيني لا بد من طرح السؤال التالي: من الذي يعبث بأبناء شعبنا ويدفعهم للموت، بحثا عن حياة موعودة في جنة أوروبا المزعومة ؟ كيف نمت تلك الطفيليات داخل مخيماتنا ؟ من يتحمل مسؤولية تلك الكارثة؟ مع الأخذ بعين الاعتبار أن شخصية المهرب تعد من أقذر أنواع المخلوقات، فالمهرب المعني بالكسب المادي فقط لا يبيع سوى الوهم، والخديعة لضحاياه، ومن دون أن يدخل في اي نوع من المخاطرة، مقابل تلقيه مبالغ مالية ضخمة. يشتري موت ضحاياه من الضحايا أنفسهم، ويقودهم إلى موتهم المحقق، وهذا يدفعنا إلى القول بأن المهرب وشبكات المهربين المرتبطة ببعضها البعض، مربوطة بمشغل واحد، يريد من اللاجئين البحث عن حلول فردية، لأزمة شعب يعاني الهجرة والتشريد منذ أكثر من سبعين عاما.
العارفون لكيفية تحضير قارب الموت والقوارب الأخرى التي سبقته، يقولون إن
أقل مبلغ تم دفعه على الشخص الواحد في هذه الرحلة هو ما بين 5 آلاف و 7 آلاف دولار بالحد الأدنى، والعائلة ما بين 15 و 25 ألف دولار.
كل هذا يجري تحضيره، امام أعين المؤسسات المعنية بالشأن الفلسطيني داخل المخيم من دون أن تحرك ساكنا، فليس المطلوب أن توفر تلك المؤسسات للاجئ ظروفا تسمح له بالبقاء والعيش الكريم، وهي ليست قادرة على هذا الفعل، لكن المطلوب منها أن تمنع كل هذا العبث الذي يجري داخل المخيمات التي أصبح لا يكفيها كل الظواهر السلبية الأخرى، والتي تسبح وتعتاش على هواجس اللاجئين. الضحايا ليسوا أرقاما عابرة، نمر عليها، لنعلن الحداد ليوم أو يومين ، ونمضي في حياتنا كالمعتاد. الضحايا سيسقطون باستمرار طالما وجدت ظاهرة التهريب والمهربين والمروجين، السماسرة الذين يتناسلون في أزقة المخيمات .
وإن لم يحدث هذا الفعل، من الطبيعي أن نشاهد كوارث أخرى، تحل بمخيماتنا، وهي امتحان للجميع ، فيها يختبر الكل، وفيها تسقط الادعاءات، ولا شرعية لأية مؤسسة فلسطينية إلى أي زاوية انتمت، دون أن تكون ممثلة لأهلها، وشعبها ، وبدون الثأر لهؤلاء الضحايا ، فإن الموت سيلاحقنا جميعا.