هذه ليست قبلة عادية تطبعها بنت محبة على وجنة والدة عادية قبل ان تغادر المنزل، في يوم عادي، او حين تعود اليه، في نهاية يوم عادي، وهذا الاحتضان الشديد ليس عاديا ولا مفتعلا، انه استثنائي تماما كما هي تلك القبلة.
حين يتعلق الامر بالشابة سهى وامها خالدة جرار، وحين يتعلق بأي اسير مع ابنائه وبناته، فالامر فرصة نادرة وثمينة ومقتنصة من بين انياب الاحتلال، فرصة لا يريد احد تضييعها ، ولا يريد احد لها ان تنتهي قبل ان تطفأ لهيب الشوق. والحاجة الى الحنان والجوع الى اللقاء.
لم تعرف الشابة المرحومة سهى والدها غسان جرار الا في عمر الرابعة، لقد قضت السنوات الاربع الاولى من حياتها وهي تحمل صورته وتحتضنها من غير ان تعي تماما معنى وجوده في سجون الاحتلال بعيدا عنها. وعندما خرج لم تجد انه يشبه الصورة تماما.
تكرر الاعتقال وكبرت سهى مع اختها يافا وكان عليهما تحمل حملات المداهمة التي ينفذها جيش الاحتلال لمنزلهم ، وكان عليهما ان يتحملا فترات الاعتقال للوالد غسان والوالدة خالدة جرار.
وكان عليهما بين كل اعتقال وآخر وخلال الزيارة المقتنصة من السجان او خلال المحاكمة ان يصطادا اللحظة المناسبة لاخذ هكذا حضن او لطبع هكذا قبلة .
كم من موقف وكم من حكاية وكم من استشارة كانت سهى تريد اخذها من والدتها وكم من ضحكة وموقف طريف خبأت لكي تتقاسمه مع امها حين يطلق سراحها!.
لو كانت الحياة منصفة لكانت خالدة مع ابنتها تفعل ما تفعله الامهات والبنات يخططن للمستقبل او يتفرجن على مجلة ازياء او يشاكسن غسان او يتناقشن في ديكور المنزل او يتحضرن لحفل زفاف….
لكن الحياة ليست منصفة وهذه المظاهر البسيطة العادية المفرحة تغيب عن بيت جرار وعن بيوت كثيرة يغيب احد افرادها في الاسر ليسمع ذات صباح قاتم خبر وفاة والده او والدته او شقيقه او ابنه او ابنته. اي حزن مضاعف هو هذا الحزن الفلسطيني.
يا الهي كم من لحظة فرح عائلي يخسرها الاسير وتخسرها الاسيرة في الزنزانة، وكم من حزن اضافي يعيشه بسبب الزنزانة، يا الهي كم هو قاس حرمان الابناء من ابائهم وامهاتهم. يا الهي كم هي قاسية الحياة على الفلسطيني.
ويا الهي كم هو جبار هذا الفلسطيني في مواجهة قسوة الحياة، خالدة جرار كوني جبارة كما عهدناك، هكذا نريدك أُمّا فلسطينية جبارة وهكذا نحتاجك أُمّا فلسطينية جبارة.
#الحرية_لخالدة_جرار