المقدمة
لقدتفاجأ القريب والبعيد في ميدان المعركة، ومن نتائج الضربات العسكرية المتتالية، التي حازت على الامتياز من جماهير الشعب الفلسطيني أينما وجدت، ومعظم شعوب العالم في شرقه وغربه، وفي جنوبه وشماله، تمثلت في المظاهرات في مدن القارات، مؤيدة للقضية الفلسطينية .
وعلى المستوى الرسمي، فقد تحركت دول للضغط على العدو، والوصول إلى اتفاق لوقف القتال، ودول دعت إلى إعطاء الحقوق للشعب الفلسطيني، ودول عبر الأمم المتحدة دعت إلى جلسة لمناقشة أحداث المنطقة، ومؤسسات رسمية تابعة إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة دعت إلى محاسبة الكيان الصهيوني، وتحويل قياداته إلى المحاكم الجنائية.
إن الحراك الجماهيري في منطقة 1948 ترك أثرًا إيجابيًا، وعكس الموقف الواضح الرافض للتعايش، والأسرلة والدولتين، ضاربا بعرض الحائط كل الشعارات المعادية للشعب الفلسطيني ووطنه فلسطين .
طوبى لمن خطط وجهز للمستقبل مستفيدا من الثغرات السابقة، ومطورا الإيجابيات بشريا وماديا (التدريب والسلاح) إجلالا وإكبارا للشعب الذي احتضن مقاومته وتبناها معتزًا بها برغم القصف والدمار .
إن درسا واضحًا للقيادة الرسمية إلى منظمة التحرير الفلسطينية يجب أن تأخذ به، وإن المقاومة والكفاح المسلح هما الوسيلة الأساسية والأهم في تحقيق الأهداف التكتيكية والاستراتيجية، وهي التي تحرك الجمود العالمي والإقليمي والجماهيري والقوى الصديقة رسميا وشعبيا.
تمهيد:
لا بد من وجود أسباب أدت إلى تحقيق الانتصار للخروج من الهبوط السياسي إلى الصعود العسكري والجماهيري والمواجهات للعدو طيلة إحدى عشرة يومًا ليلًا نهارًا.
العودة قليلا إلى تسلسل أحداث الثورة، من ثورة البراق، وانتفاضة الثورة الوطنية الكبرى سنة 1936 والثورة الفلسطينية المعاصرة، التي تخللتها معركة الكرامة، وشعار وراء العدو في كل مكان، وخطف الطائرات (التي عرّفت العالم على حقيقة القضية الفلسطينية، وحقيقة الاستيطان الإحلالي للأرض الفلسطينية، ونفي شعارأرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
والعمليات القتالية داخل فسطين ضد المحتل مثل أم العقارب، اللد، دلال المغربي،عيلبون،العمليات الشراعية، إلخ...، وإرباكه الدائم في غزة، في بداية السبعينات (جيفارا غزة وقوات التحرير الشعبية)، وذلك متلازم مع التحرك الشعبي الدائم، من هبات وانتفاضات في سنة 1976 انتفاضة يوم الأرض في منطقة 48، وانتفاضة 1987، وانتفاضة سنة 2000، والانتفاضة الجماهيرية في أيارسنة 2021.
لقد عرت هذه الهبات والانتفاضات عمق رؤية جماهيرها، ذلك بأن المقاومة هي أساس التحرير، وما حصل من التفاف جماهيري حولها في أيار 2021 وما قبل ذلك دليل على ذلك.
- أسباب الانتصار العسكري الفلسطيني.
في التقدير العام وليس من خلال معلومات:
ا- إن المعارك السابقة في سنة 2008/2021/2014، فرضت ودفعت الكتائب العسكرية ووحداتها في غزة إلى إقامة تقييمًا تفصيليا وعامًا، لتحديد السلبيات والإيجابيات والعمل على تطويرها .
ب -الخروج في توجهات اساسية ومهمة لمواجهة الاحتمالات القادمة .
ت- التركيز على بنك أهداف عسكرية في المدن الفلسطينية المحتلة منطقة48 و منطقة 67 والقدس، وغلاف غزة.
ث- تطوير السلاح نوعًا ومدى (مسافة).
ج- الاتفاق على خطط دفاعية وهجومية، وابتكار خطط من واقع المعركة .
ح- استعمال التكتيك الناجح بما ينسجم مع الرؤيا السياسية التكتيكية للمعركة، للاهداف المرسومة على طريق التحرير.
خ- تطوير العلاقة التنظيمية الميدانية بين الكتائب العسكرية وبين نها ووحداتها كل بحسب قدرته وإمكانياته عبر الغرفة المشتركة .
د- وجود إرادة القتال والصمود والمواجهة برغم قصف الطيران المعادي في غارات متتالية من أسراب من الطائرات الحربية، وتدمير البيوت والساحات والطرق الحيوية، والأبراج، واستشهاد الأطفال والنساء والشيوخ، وجرح مئات المدنيين، وتقطيع أوصال الحياة.
د- إدارة المعركة.
النجاح الباهر في إدارتها بامتياز، وما هو جديد التهديد الواضح والفاضح للعدو، وتنفيذ ذلك بجدارة في إرسال الصواريخ بعيدة وقريبة المدى إلى مدن منطقة 1948 منعًا لتكرار الاعتداء على القدس وعلى أبوابها وأحيائها، حي الشيخ جراح، وسلوان، وباب العامود، والاعتداء على المصلين في الأقصى.
ذ- صحة العلاقة مع الحاضنة الجماهيرية، التي نهضت نهوضًا لا مثيل له في غزة، وخارج غزة التي أكدت على وحدتها في أماكن تواجدها كافة في فلسطين كل فلسطين، في المخيمات، في الشتات ومع الجاليات العربية في أمريكا وأوروبا وآسيا وأفريقيا.
ر - التكامل الدائري بين الكتائب العسكرية ووحداتها .
ز -تنظيم نظام العلاقة مع الأصدقاء(محور المقاومة )
ع- نجاح فن وظيفة الإعلام والإعلان كسلاح مهم في تعرية العدو عبر مواقع التواصل ودور الوسائل الإعلامية، والقنوات الصديقة في إيصال الخبر والحدث، وهوعلى نار حامية .
غ- وحدة الشعب الفلسطييني (إنها سبب ونتيجه) انها وحدة واحدة لا تتجزأ.
س-وحدة الأرض الفلسطينية وتواصلها الجغرافي. إنها وحدة واحدة لا تتجزأ.
انعكاس الانتصار على العدو:
ا-مفاجأته في قدرات المقاومة، من تسليح، وخطط، وتنفيذ تهديد، واحتضان الشعب الفلسطيني لها في اماكن تواجده كافة، ومعه الشعوب الصديقة والحليفة .
ب- إسقاط رئيس الوزراء نتنياهو.
ت-هروب المجتمع الإسرائيلي من قصف المقاومة وصواريخها إلى الملاجئ، و والاحتماء في زوايا الشوارع، والاستلقاء على الأرض وهم يصرخون.
ح-إرباك العدو في شؤونه كافة، وفقده لأعصابه عسكريا وامنيا في توجيه ضربات حاقده ولئيمة للمدنيين واماكن سكنهم، وعلاقاته اهتزت مع الادارة الامريكية .
خ-اصاب الدماغ المفكر عنده (الكبينت)الشلل في اتخاذ القرار السليم نسبة له ولتفكيره.
ج-تصاعد موقف الإدارة الأمريكية سلبا من رئيس وزراء العدو وأصدقائه الأوروبيين.
ر- ضرب للمطبعين عربا وغيرهم ولأشكال التطبيع مع العدو كافة.
- حتى يمتلئ الكأس بالماء الصالحة للشرب وتتكامل السياسة مع المقاومة العسكرية، لا بد من القيام في التوجهات االآتية، لتحقيق الأهداف الآنية والتكتيكية والاستراتيجية:
ا- تقييم المرحلة السابقة واستخلاص الدروس.
ب-إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطسنية وفروعها (التنظيمية والسياسية والاقتصادية والعسكرية والأمنية والتعليمية، والثقافية والاجتماعية، والمؤسسات الجماهيرية (قطاعات نقابية، إلخ...)
ب- إن الترياق للسم الذي تجرعته منظمة التحرير الفلسطينية في اتفاق المبادئ (اوسلو) وملحقاته هو إلغاء الاتفاق لا تجميده، وسحب الاعتراف في الكيان الصهيوني.
اسباب الدعوة لإلغاء اتفاق المبادئ (اوسلو)
-مرجعيته قراري مجلس الأمن الدولي
242+338
إن قرار242 يتعامل مع القضية الفلسطينية على اساس لاجئيين لا على اساس قضية سياسية واحتلال، وإن هذين القرارين يتعلقان بدول عربية، و ليس بالثورة الفلسطينية برغم العلاقة الجدلية بين الاثنين معا.
-من نتائج الاتفاق وتنفيذا له أاتخذ قرار بإلغاء ستة مواد أساسية من الميثاق الوطني الفلسطيني منها:
1- المادة (2): إن فلسطين تشكل في حدودها، خلال الانتداب البريطاني وحدة غير قابله للتجزئة.
2- المادة(9): الكفاح المسلح هو الطريق الوحيد للوصول الى تحرير فلسطين، ويؤكد الشعب العربي الفلسطيني عزمه المطلق وقراره الحازم بمتابعة الكفاح المسلح، وتحضير ثورة شعبية مسلحة للتحرير والعودة.
كما الغيت المواد (16+19+20+22)
3- إن المادة 22 تؤكد (أن الصهيونية حركة سياسية مرتبطة عضويا بالإمبريالية العالمية، ومناقضة لأي عمل تحرري، وأية حركه تقدمية في العالم. إنها عرقية ومتعصبة بطبيعتها، واستعمارية في أهدافها وفاشية في نهجها.
- إن التطرف في الكيان الاستعماري لا يجب أن يكون مصدرا للقلق، وفي الواقع الشيء الوحيد الذي يتعلق بهذا الشأن يتخذ التطرف ذريعة لدى بعض المتخاذلين في المعسكر التحرري، لتبرير التلهف على التسوية، وتقديم التنازلات في غمارها، وسوف يكون استمرار النضال التحرري بالمعنى الصاعد هو الضمان الوحيد لهزيمة التطرف، وتعليم الاستعماريين ما أخفقوا في تعلمه، عبر العديد من دروس حركات التحرر الوطني.
- إن بوادر تلك العملية بدأت مع رابين عندما صرح بعد أسبوعين من انتفاضة 1987:
(لن نسمح بأية صورة او شكل بأن تتكرر أحداث الأسبوع الماضي في المناطق المحتلة ).
- استطرادا في الفقرة ذاتها أشار رابين إلى (أن الجيش الإسرائيلي له قدرة محدودة على إخماد الانتفاضة، ولا يوجد شيء يستطيع اخماد الانتفاضة التي هي في جوهرها تعبيرعن الكفاح الوطني، وعلى المجتمع الإسرائيلي أن يتعايش مع الواقع الجديد في الضفة والقطاع، لأن الانتفاضة سوف تستمر لعدة سنوات).
لقد ورد في كتاب طريق أوسلو: (هل هي مرحلة العودة إلى الوطن ؟ أم مرحلة التوقيع على التنازلات؟ عن جزء كبير من الوطن مستطردا...وهل فرطنا بحقوق الشعب الفلسطيني؟ ام حافظنا على هذه الحقوق؟).
وفي صفحة 62 من الكتاب ذاته:
( إن اللقاءات مع قادة معارضين وموالين للكيان الصهيوني، وتراكمها، واستمرارها بمرور الزمن أوجدت ارضية صالحة للوصول إلى ما تحقق أخيرًا في 13/9/1993).
كما تم التأكيد في الكتاب أكثر من مرة ان مرجعية أوسلو قراري مجلس الأمن 242+338،
وفي صفحه 261 (سبع ساعات من عمر الشعب الفلسطيني وتاريخه....أنجزت اتفاقًا كاملًا متكاملا لمرحلة الحكم الذاتي الانتقالي، بما في ذلك الانسحاب من قطاع غزه ومنطقة أريحا).
في المقابل أشار بيريز في كتابه الشرق الأوسط الجديد:
(فرحتي بأوسلو كانت مزدوجة، فقد تصادف تلك الليله أيضا عيد ميلادي السبعين...ووقتها قال لي أبوعلاء، ممثل منظمة التحرير الفلسطينية، وهو يبتسم بجدارة:
( الاتفاقية هديتنا لك في عيد ميلادك، فقلت في نفسي يا لها من هدية مميزة وغير متوقعة، ومن المستحيل تقييمها).
وفي صفحه 29 من الكتاب أشار بيريز:
(توصلت "إسرائيل" إلى اكثر من مجرد كلمات، فقد حصلت على تنازلات اأمنية، وقضية إبقاء القدس خارج اتفاقية الحكم الذاتي، والإبقاء على المستوطنات حيث هي).
إن ما ورد في الكتابين يؤكد أن اتفاق المبادئ كان لمصلحة الكيان الصهيوني بالمطلق، والدليل ما طرحه مهندسا الاتفاق، وما هو حاصل واقعا على الأرض يثبت ذلك.
الموقف الشعبي الفلسطيني وجماهيره: في فلسطين والمخيمات والجاليات الفلسطينية والعربية في اوروبا والأمريكتين، وشعوب في أسيا وأفريقيا، وعربا هبوا لنصرة القضية الفلسطينية، وأدانت العدو في الهتافات المتكررة، والاعلانات واليافطات، والاعلان إدانة واضحة لتصرفات الجيش والمستوطنين لا تمت بأي شكل من الاشكال الى مبادئ الامم المتحدة، ولا إلى اتفاقيات جنيف، ولا الى الاعلان العالمي لحقوق الانسان. لا اخلاقية العدو في مطاردة الاطفال وسجنهم وتعذيبهم، والنساء والشيوخ والجرحى، إلخ...
إن خروج جماهير الشعب الفلسطيني تكريما وتأييدا للمقاومة برغم الظلام والسواد السياسي، الذي جلبه اوسلو كان تصميما على النضال، وحمل معاني استمراره، واستعداده لكل التضحيات، وتصميمه على المقاومة والصمود. أجاب على سؤال يطرح ما العمل؟؟
للرد على كل المخططات المعادية وعلى التآمر والمتآمرين .
العمل على إعادة البناء شعبيا وعسكريًا.
بناء منظمة التحرير الفلسطينية على اسس وطنية واستراتيجية عمادها النضال والكفاح المسلح، وإعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية (السياسية، الاقتصادية، العسكرية، النقابية، التعليمية، الثقافية، الاجتماعية، والاختصاص في العلم بأنواعه كافة، والعودة الى القيم والمبادئ التي انطلقت على أساسها الثورة، ومحاسبة كل مخل في النظام أخلاقا وفسادا.
لقد بدأت المعركه الحقيقية بعد الانتصار العسكري العظيم، ما يحتم على الهيئات القيادية، والقوى الفلسطينية البناء على أساس النقاء الثوري، والمهارة الثورية، ملتزمين في رفض السلام الذي يؤدي إلى الاستسلام.
انطلاقا مما تقدم، وبعد إلغاء اتفاقية المبادئ انهاء الانقسام والمصالحة الحقيقية بين فتح وحماس فإن المهمة الاولى هي إعادة إعمار ما دمره العدو، كما يطلب المواءمة بين عنف الشباب وحكمة الشيوخ.
لا نصر بدون تلازم العمل السياسي والعمل العسكري (العنف الثوري)، فالاثنين معًا يولدان الانتصار.
المراجع:
رقم "1"كتاب منطق العمل الوطني من الكفاح المسلح الى الحلول التفاوضية ص95
رقم"2"نفس المصدر السابق ص96
رقم"3"نفس الصفحة من الكتاب
قم"4"كتاب طريق اوسلو ابومازن ص"7"
رقم "5"نفس المصدر السابق ص261
رقم"7"كتاب شمعون بيريز الشرق الاوسط الجديد ص7
رقم "8"نفس المصدر السابق ص29